رمضان وفك الحصار
رمضان وفك الحصار
إلى كل شاب قد حاصرته الذنوب، وشُدت عليه قيود العادات السيئة، واكتنفته الهموم؛ فيصرخ في نفسه أن: "كفى"، ويصدق قلبه في الرغبة في الفرار، ولكن يثني عزمه هذا الحصار، فإليه أسوق البشرى: قد جاءتك أيام الخلاص، لتتحرر من أسرك، قد جاءك رمضان يفك عنك حصار الذنوب والعادات السيئة، فقط دع روحك وجوارحك تنساب مع قوى رمضان.
أسرار القوة الرمضانية.
إن رمضان فرصة عظيمة للتغيير، وانتقال الإنسان من حال إلى حال أفضل، والتخلص من الذنوب التي تسيطر عليه، والعادات الخبيثة التي ألفها، فرمضان فرصة للتخلص من أسر العادة السرية، والتدخين، والاستماع إلى الغناء، وكل ما من شأنه أن يحاصر المرء، ويعوقه عن المضي في سبيل الرشاد.
فلرمضان عوامل كثيرة بناءة، تتضافر فيما بينها؛ لتعين الإنسان على صياغة شخصيته من جديد، ويرتقي بنفسه عن الآفات، فهو فرصة حقيقية للتغيير، فكما أن رمضان كان محطة تغيير لأحوال الأمة بصفة عامة، عبر بدر الكبرى، والبويب، وعين جالوت، والعاشر من رمضان، وغيرها من معارك الإسلام الفاصلة، فهو فرصة للفرد كذلك أن تنتقل حياته نقلة كبيرة، فيتخلص من رواسب الماضي، ويتحرر من أسر المعاصي والعادات السيئة، فمن هذه العوامل البناءة:
1 – جماعية الطاعة:
ففي رمضان يصير الغالب على المجتمع حرصه على الطاعة والخير، فالمساجد تمتليء، وأعمال البر والصدقات يتسابق فيها المتسابقون، والأخلاق السمحة تفرض نفسها، وما ذلك إلا بما أودعه الله في هذا الشهر من بركات، وتيسيره للناس سبل الخير عن غيره من الشهور.
فالطاعات التي ينفرد بها الكثيرون في غير رمضان، تصبح في رمضان أمرًا عامًا، وهو ما يحفز المرء على النشاط في الطاعة؛ وهو ما يعلي لديه من بناء الإيمان، والذي يقوم بدوره بهدم الآفات، ونظرًا لأن الإنسان يتأثر بمن حوله، ورؤيته لمشاهد الطاعة لدى العباد تحفزه، أوصى الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى، فقال: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) [المائدة:2]، وتضافرت الأدلة لتؤكد على أهمية مصاحبة الأخيار، ففي الحديث: ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) [حسنه الألباني].
2 – شهر حمية:
أي امتناع عن الشهوات، والتي هي مادة النشوز والعصيان، فيأتي الصيام ليكسر هذه الشهوات، فيحفظ الإنسان جوارحه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: الصيام جنة؛ يستجن بها العبد من النار، وهو لي، وأنا أجزي به)) [حسنه الألباني]، قال المناوي: (وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة، وحفظ الجوارح، وفي الآخرة من النار)، وقال أيضًا: (إنما شرع الصوم؛ كسرًا لشهوات النفوس، وقطعًا لأسباب الاسترقاق والتعبد للأشياء، فإنهم لو داوموا على أغراضهم لاستعبدتهم الأشياء، وقطعتهم عن الله، والصوم يقطع أسباب التعبد لغيره، ويورث الحرية من الرق للمشتهيات؛ لأن المراد من الحرية أن يملك الأشياء لا تملكه، فإذا ملكته فقد قلب الحكمة، وصير الفاضل مفضولًا، والأعلى أسفلًا).
وبامتناع الإنسان عن الشهوات بالصوم المشروع؛ ترتقي نفسه وتسمو روحه، وكأنها تقترب من الملأ الأعلى الذين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون؛ فيكون هذا السمو الروحي، وكسر حدة الشهوات عاملًا هامًا ليتخلص المرء من حصار الآفات.
تصفيد الشياطين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذا جاء رمضان؛ فُتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب النار، وصُفدت الشياطين)) [صححه الألباني]، وهو تصفيد حقيقي، كمعونة من الله للعباد بكف شر الشياطين عنهم.
وقد يتساءل البعض: كيف تُسلسل الشياطين، ونحن نرى المعاصي في رمضان؟! قد تعرض القرطبي رحمه الله لهذه المسألة، فقال: (فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرًا، فلو صُفدت الشياطين لِمَ يقع ذلك؟! فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين بالصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة، لا كلهم كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس؛ فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع فيه شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين: كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية).
وعلى كل حال، فحدة تسلطهم على الإنس تنكسر أو تضعف؛ مما يفتح الطريق أمام العباد لسلوك درب الاستقامة، ويمنح العبد فرصة التخلص من حصار الآفات.
اختبار القدرة:
فالمدخن مثلًا؛ يمكث منذ طلوع الفجر إلى غروب الشمس متخليًا عن التدخين، مع أنه يرى في غير رمضان أنه لا يصبر على فراق التدخين ساعة أو ساعتين، بينما اجتاز هذه العقبة في رمضان، وإنما مقصدي أن قوة الإرادة قد بزغت عنده وقد كان يجهلها، فالإرادة التي حملته على ترك ذلك لله طوال النهار، بالإمكان أن تحمله على ترك التدخين في الليل أيضًا، خصوصًا إذا ما اغتنم ساعات الليل وعمرها بالقيام والذكر والطاعات، فإذا ما نجح في هذا الاختبار طوال شهر رمضان؛ فهذا إيذان بفك حصار الآفات، حيث أن ابتعاده شهرًا كاملًا عنها يثبت له قدرته على فراقها مدى حياته.
وختامًا:
الجأ إلى من دعاك: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) [غافر:60]، تذلل إليه وتضرع، قف على بابه واطرقه، فمن ذا ينجيك غيره، ومن ذا يقيك الشرور غيره، وارتقب ساعة نزوله إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بكماله، فيقول: ((هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟)) [صححح الألباني].
رمضان وفك الحصار
إلى كل شاب قد حاصرته الذنوب، وشُدت عليه قيود العادات السيئة، واكتنفته الهموم؛ فيصرخ في نفسه أن: "كفى"، ويصدق قلبه في الرغبة في الفرار، ولكن يثني عزمه هذا الحصار، فإليه أسوق البشرى: قد جاءتك أيام الخلاص، لتتحرر من أسرك، قد جاءك رمضان يفك عنك حصار الذنوب والعادات السيئة، فقط دع روحك وجوارحك تنساب مع قوى رمضان.
أسرار القوة الرمضانية.
إن رمضان فرصة عظيمة للتغيير، وانتقال الإنسان من حال إلى حال أفضل، والتخلص من الذنوب التي تسيطر عليه، والعادات الخبيثة التي ألفها، فرمضان فرصة للتخلص من أسر العادة السرية، والتدخين، والاستماع إلى الغناء، وكل ما من شأنه أن يحاصر المرء، ويعوقه عن المضي في سبيل الرشاد.
فلرمضان عوامل كثيرة بناءة، تتضافر فيما بينها؛ لتعين الإنسان على صياغة شخصيته من جديد، ويرتقي بنفسه عن الآفات، فهو فرصة حقيقية للتغيير، فكما أن رمضان كان محطة تغيير لأحوال الأمة بصفة عامة، عبر بدر الكبرى، والبويب، وعين جالوت، والعاشر من رمضان، وغيرها من معارك الإسلام الفاصلة، فهو فرصة للفرد كذلك أن تنتقل حياته نقلة كبيرة، فيتخلص من رواسب الماضي، ويتحرر من أسر المعاصي والعادات السيئة، فمن هذه العوامل البناءة:
1 – جماعية الطاعة:
ففي رمضان يصير الغالب على المجتمع حرصه على الطاعة والخير، فالمساجد تمتليء، وأعمال البر والصدقات يتسابق فيها المتسابقون، والأخلاق السمحة تفرض نفسها، وما ذلك إلا بما أودعه الله في هذا الشهر من بركات، وتيسيره للناس سبل الخير عن غيره من الشهور.
فالطاعات التي ينفرد بها الكثيرون في غير رمضان، تصبح في رمضان أمرًا عامًا، وهو ما يحفز المرء على النشاط في الطاعة؛ وهو ما يعلي لديه من بناء الإيمان، والذي يقوم بدوره بهدم الآفات، ونظرًا لأن الإنسان يتأثر بمن حوله، ورؤيته لمشاهد الطاعة لدى العباد تحفزه، أوصى الله تعالى بالتعاون على البر والتقوى، فقال: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) [المائدة:2]، وتضافرت الأدلة لتؤكد على أهمية مصاحبة الأخيار، ففي الحديث: ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) [حسنه الألباني].
2 – شهر حمية:
أي امتناع عن الشهوات، والتي هي مادة النشوز والعصيان، فيأتي الصيام ليكسر هذه الشهوات، فيحفظ الإنسان جوارحه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تعالى: الصيام جنة؛ يستجن بها العبد من النار، وهو لي، وأنا أجزي به)) [حسنه الألباني]، قال المناوي: (وقاية في الدنيا من المعاصي بكسر الشهوة، وحفظ الجوارح، وفي الآخرة من النار)، وقال أيضًا: (إنما شرع الصوم؛ كسرًا لشهوات النفوس، وقطعًا لأسباب الاسترقاق والتعبد للأشياء، فإنهم لو داوموا على أغراضهم لاستعبدتهم الأشياء، وقطعتهم عن الله، والصوم يقطع أسباب التعبد لغيره، ويورث الحرية من الرق للمشتهيات؛ لأن المراد من الحرية أن يملك الأشياء لا تملكه، فإذا ملكته فقد قلب الحكمة، وصير الفاضل مفضولًا، والأعلى أسفلًا).
وبامتناع الإنسان عن الشهوات بالصوم المشروع؛ ترتقي نفسه وتسمو روحه، وكأنها تقترب من الملأ الأعلى الذين لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون؛ فيكون هذا السمو الروحي، وكسر حدة الشهوات عاملًا هامًا ليتخلص المرء من حصار الآفات.
تصفيد الشياطين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذا جاء رمضان؛ فُتحت أبواب الجنة، وغُلقت أبواب النار، وصُفدت الشياطين)) [صححه الألباني]، وهو تصفيد حقيقي، كمعونة من الله للعباد بكف شر الشياطين عنهم.
وقد يتساءل البعض: كيف تُسلسل الشياطين، ونحن نرى المعاصي في رمضان؟! قد تعرض القرطبي رحمه الله لهذه المسألة، فقال: (فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرًا، فلو صُفدت الشياطين لِمَ يقع ذلك؟! فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين بالصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة، لا كلهم كما تقدم في بعض الروايات، أو المقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس؛ فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع فيه شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين: كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية).
وعلى كل حال، فحدة تسلطهم على الإنس تنكسر أو تضعف؛ مما يفتح الطريق أمام العباد لسلوك درب الاستقامة، ويمنح العبد فرصة التخلص من حصار الآفات.
اختبار القدرة:
فالمدخن مثلًا؛ يمكث منذ طلوع الفجر إلى غروب الشمس متخليًا عن التدخين، مع أنه يرى في غير رمضان أنه لا يصبر على فراق التدخين ساعة أو ساعتين، بينما اجتاز هذه العقبة في رمضان، وإنما مقصدي أن قوة الإرادة قد بزغت عنده وقد كان يجهلها، فالإرادة التي حملته على ترك ذلك لله طوال النهار، بالإمكان أن تحمله على ترك التدخين في الليل أيضًا، خصوصًا إذا ما اغتنم ساعات الليل وعمرها بالقيام والذكر والطاعات، فإذا ما نجح في هذا الاختبار طوال شهر رمضان؛ فهذا إيذان بفك حصار الآفات، حيث أن ابتعاده شهرًا كاملًا عنها يثبت له قدرته على فراقها مدى حياته.
وختامًا:
الجأ إلى من دعاك: ((ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)) [غافر:60]، تذلل إليه وتضرع، قف على بابه واطرقه، فمن ذا ينجيك غيره، ومن ذا يقيك الشرور غيره، وارتقب ساعة نزوله إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بكماله، فيقول: ((هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟)) [صححح الألباني].